تقول هذه التائبة . \"لا أدري بأي كلمات سوف أكتب قصتي . . أم بأي عبارات الذكرى الماضية التي أتمنى أنها لم تكن ! سوف أسجلها . . فقد كان إقبالي على سماع الغناء كبيرا حتى أني لا أنام ولا أستيقظ إلا على أصوات الغناء . . أما المسلسلات والأفلام فلا تسل عنها في أيام العطل . . لا أفرغ من مشاهدتها إلا عند الفجر في ساعات يتنزل فيها الرب - سبحانه -إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر فأغفرله ؟ . . هل من سائل فأعطيه سؤله ؟ . . وأنا ساهرة على أفلام الضياع . . أما زينتي وهيئتي فكهيئة الغافلات أمثالي في هذه السن : قصة غربية ، ملابس ضيقة وقصيرة ، أظافر طويلة ، تهاون بالحجاب . . الخ . في الصف الثاني ثانوي دخلت علينا معلمة الكيمياء وكانت معلمة فاضلة صالحة . . شدني إليها حسن خلقها، وإكثارها من ذكر الفوائد، وربطها مدة الكيمياء بالدين ، حملتني أقدامي إليها مرة، ولا أدري ما الذي ساقني إليها لكنها كانت البداية . جلست إليها مرة ومرتين ، فلما رأت مني تقبلا واستجابة نصحتني بالابتعاد عن سماع الغناء ومشاهدة المسلسلات . قلت لها: لا أستطيع . قالت : من أجلي . . قلت : حسنا من أجلك ، وصمت قليلا ثم قلت لها: لا. . ليس من أجلك بل لله إن شاء. . وكانت قد علمت مني حب التحدي . فقات : ليكن تحد بينك وبين الشيطان فلننظرلمن ستكون الغلبة، فكانت آخر حلقة في ذلك اليوم ، فلا تسـل عن حالي بعـد ذلك وأنا أسمع من بعيد أصوات الممثلين في المسلسلات . أتقدم وأشاهد المسلسل . . إذن سيغلبني الشيطان . . ومن تلك اللحظة تركت سماع الغناء ومشاهدة المسلسلات ولكني - بعد شهرتقريبا -عدت إلى سماع الغناء خاصة، واستطا ع الشيطان - على الرغم من ضعف كيده كـما أخبرنا الله أن يغلبني لضعف إيماني بالله . وفي السنة الثالثة - وهي الأخيرة - دخلت علينا معلمة أخرى كنت لا أطيق حصتها وعباراتها الفصيحة ونصائحها .. إنها معلمة اللغة العربية، وفي أول امتحان لمادة النحو فوجئت بالحصول على درجـة ضعيفة جدا، وقد كتبت المعلمة في ذيل الورقة بخطها عبارات عن إخلاص النية في طلب العلم ، وضرورة مضاعفة الجهد، فضاقت بي الأرض بما رحبت ! فما اعتدت الحصول على مثل هذه الدرجة ولكن . . عسمى أن تكرهوا شيئا وهوخيرلكم . . ذهبت أحث الخطى إليها ، فباي حق توجه إلي هذه العبارات ، فاخذت تحدثني عن إخلاص النية في طلب العلم في اليوم التالي أخبرتني إحدى الأخوات أن المعلمة تريدني ، فلم ألق لذلك بالأ، ولكن شاء الله أن أقابلها عند خروجها وهي تحمل في يدها مصحفا صغيرا. . صافحتني ، ووضعت المصحف في يدي ، وقبضت على يدي ، وقالت : لا أقول لك هدية بل هي أمانة، فإن استطعت حملها وإلا فاعيديها إلي . . فوقع في نفسعي حديثها ولكني / أستشعرثقل تلك الأمانة إلا بعد أن قابلت إحدى الأخـوات الصالحات فسالتني : ماذا تريد منك ؟ فقلت : إنها أعطتني هذا المصحف وقالت لي: أمانة . . فتغيروجه هذه الأخت الصالحة، وقالت لي : أتعلمين ما معنى أمانة؟! . . أتعلمين ما مسؤولية هذا الكتاب ؟! أتعلمين كلام من هذا، وأوامر من هذه ؟ ! . . عنـدها استشعرت ثقل هذه الأمانة . . فكان القرآن الكريم أعظم هدية أهـديت إلي. . فانهمكت في قراءتـه ، وهجـرت - وبكـل قوة وإصرار- الغنـاء والمسلسلات ، إلا أن هيئتي لم تتغير.. قصة غربية، وملابس ضيقة . واتذكر كلام تلك المعلمة عندما قالت : قال تعالى : (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) .
فقد تغيرت مكانتها في نفسي ، وأصبحت أكن لها كل حب وتقدير واحترام . . هذا مع حرصها على الفوائد في حصتها ، وربط الدرس بما يريده منا الغرب من التحلل والإباحية ونبذ كتاب الله جانبا . . وفي كل أسبوع كانت تكتب لنا في إحدى زوايا السبورة آية من كتاب الله ، وتطلب منا تطبيق ما في هذه الآية من الأحكام . . وهكذا ظلت توالي من نصائحها إضافة إلى نصائح بعض الأخوات حتى تركت قصة الشعر الغربية عن اقتناع ، وأنها لا تليق بالفتاة المسلمة المؤمنة، وأنها ليست من صفات أمهات المؤمنين . . فتحسن حالي - ولله الحمد - والتزمت بالحجاب الكامل من تغطية الكفين والقدمين بعدما كنت أنا وإحـدى الصديقات نحتقر لبس الجوارب حتى إننا كنا نلبسه فوق الحذاء استهزاء ، ونضحك من ذلك المنظر. أنهيت الثانوية العامة ، والتحقت بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وفي يوم من الأيام ذهبت مع إحدى الأخوات إلى مغسلة الأموات ، فإذا بالمغسلة تغسل شابة تقارب الثالثة والعشرين من عمرها - وكات في المستوى الثالث في الجامعة -. . ولا أستطيع وصف ما رأيت . . تقلب يمينا وشمالا لتغسل وتكفن ، وهي باردة كالثلج . . أمها حولها وأختها وأقاربها ، أتراها تقوم وتنظر إليهم آخر نظرة ، وتعانقهم وتودعهم أم تراها توصيهم آخر وصية . . كلا لا حراك . وإذ بامها تقبلها على خديها وجبينها-وهي تبكي بصمت -وتقول : اللهم ارحمها. . اللهم وسع مدخلها . . اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة. . وتقول لها: قد سامحتك يا ابنتي . . ثم يسدل الستار على وجهها بالكفن . . ما أصعبه من منظر. . وما أبلغها من موعظة. . لحظات وستوضع في اللحد، ويهال عليها التراب ، وتسال عن كل ثانية من حياتها. . فوالله مهما كتبت من عبارات ما استطعت أن أحيط بذلك المشهد . . لقد غير ذلك المشهد أمورا كثيرة بداخلي ، وزهدني بهذه الدنيا الفانية . . وإني لأتوجه إلى كل معلمة ، بل إلى كل داعية أيا كان مركزها ، أن لا تتهاون في إسداء النصح وتقديم الكلمة الطيبة حتى لو ان أقفلت في وجهها جميع الأبواب . . حسبها أن باب الله مفتوح . كما أتوجه إلى كل أ خت غافلة عن ذكر الله . منغمسة في ملذات الدنيا وشهواتها . . أن عودي إلى الله - أخية - فوالله إن السعادة كل السعادة في طاعة الله . . وإلى كل من رأت في قلبها قسوة، أو ما استطاعت ترك ذنب ما . . أن تذهب إلى مغسلة الأموات ! وتراهم وهم يغسلون ويكفنون . . والله إنها من أعظم العظات \"وكفى بالموت واعظا\" . أسال الله لي ولكن حسن الخاتمة(1) أختكم أم عبد.الله.
من كتاب التائبون الى الله للشيخ ابراهيم بن عبدالله الحازمي
عدد المقيّمين 1 وإجمالي التقييمات 2
12345