• موضوعات متنوعة
  • 906
  • 10-8-2008
  • ناصر الأحمد
  • بسم الله الرحمنالرحيم

    من معاني النصـر

    ناصر الأحمد

    الحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم علىرسول العالمين أما بعد :
    من معتقد أهل السنة والجماعة في معاني أسماء اللهوصفاته أن الله لا يُخذل من توجّه إليه بصدق وتوكل واعتمد عليه . فإنه لم يحصل فيتاريخ البشرية منذ أن خلق الله هذه الأرض أن نبياً من الأنبياء أو عالماً أو داعيةًأو مجاهداً أو مجتمعاً أو دولةً أو غيرهم توكلوا على الله وصدقوا الله واعتمدوا علىالله وتركوا جميع الناس من أجل الله ثم خذلهم الله ، هذا لا يعرف في التاريخ أبداً ، بل من فهمنا لمعاني أسماء الله وصفاته أن كل من توكل على الله واعتمد عليه وتركمن سواه من الخلق فإن الله لا يخذله بل سينصره كما قال سبحانه : (وَكَانَ حَقًّاًعَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) . فإن هذا من معاني أسمائه وصفاته . فالله عز وجلبما له من الأسماء الحسنى والصفات العلا كتب النصر والغلبة لأهل الحق من أوليائهالصالحين والمصلحين وكتب المهانة والذلة على أعدائه من الكافرين والمنافقين وهذهسنة لا تتخلف إلاّ إذا تخلفت أسبابها (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَبْدِيلاًوَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَحْوِيلاً) .

    لكن لهذا النصر صور عديدةوليس النصر محصوراً في انتصار المعارك فحسب بل قد يقتل النبيّ أو يطرد العالم أويسجن الداعية أو يموت المجاهد أو تسقط الدولة والمؤمنون منهم من يسام العذاب ومنهممن يلقى في الأخدود ومنهم من يَستشهد ومنهم من يعيش في كرب وشدة واضطهاد ومع ذلكيكون كل هؤلاء قد انتصروا بل وحققوا نصراً مؤزراً وتحقق فيهم قول الله تعالى(وَكَانَ حَقًّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) . ومن قَصَرَ معنى النصر علىصورة واحدة وهي الانتصار في المعارك فحسب لم يدرك معنى النصر في الإسلام .
    إليكم بعض صور النصر في الإسلام :
    النوع الأول من أنواع النصر الذي وعد الله به عباده المؤمنين : نصر العزة والتمكين في الأرض وجعل الدولة والجولة للإسلام كما نصر الله عز وجل داود وسليمان عليهما السلامكما قال سبحانه : (وقَتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة) وقال عز وجل:(فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) فجمع الله عزوجل لهذين النبيين الكريمين بين النبوة والحكم والملك العظيم . وكذلك موسى عليهالسلام نصره الله على فرعونَ وقومه وأظهر الدين في حياته كما قال سبحانه :(وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوايَعْرِشُونَ) . أما نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فقد نصره الله نصراًمؤزراً فما فارق النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا حتى أقرّ الله عز وجل عينه بالنصرالمبين، والعز والتمكين، بل جعل الله عز وجل النصر ودخول الناس في دين الله أفواجاعلامة قرب أجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتحورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) فمافارق النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا حتى حكم الإسلام جزيرة العرب، ثم فتح تلامذتهمن بعده البلاد شرقاً وغربا وشمالاً وجنوبا، حتى استنارَ أكثرُ الأرض بدعوةالإسلام، وسالت دماء الصحابة في الأقطار والأمصار، يرفعون راية الإسلام، وينشروندين الله عز وجل حتى وقف عقبة بن عامر على شاطئ بحر الاطلنطي وقال : "والله يا بحرلو أعلم أن وراءك أرض تفتح في سبيل الله لخضتك بفرسي هذا" وما كان يعلم رضي اللهعنه أن وراء ذلكم البحر الأمريكتان ولو كتب الله وخاض البحر ودخل المسلمون تلكالبلاد لكان التاريخ شيئاً آخر ، فشاء الله تعالى أن تقف خيول عقبة بن عامر علىشاطئ الاطلنطي لحكمة يعلمها سبحانه لايُسأل عما يفعل وهم يُسألون . وهذا الخليفةالمسلم هارون الرشيد نظر إلى السحابة في السماء وقال لها : "أمطري حيث تشائين فسوفيأتيني خراجك" لقد انتصر الإسلام لما وجد الرجال الذين يقومون به ويضحون من أجلهوالله عز وجل يقول : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَإِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ) .

    النوع الثاني من أنواع النصر : أن يُهلك الله عز وجل الكافرين والمكذبينوينجي رسله وعباده المؤمنين قال عز وجل حاكياً عن نوح عليه السلام: (فَدَعَارَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍمُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْقُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَاجَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) وكما نصر الله عز وجل هوداً وصالحاً ولوطاًً وشعيباًعليهم الصلاة والسلام أهلك الله عز وجل الكافرين والمكذبين وأنجى رسله وعبادهالمؤمنين .

    النوع الثالث من أنواع النصر:وهو انتصار العقيدة والإيمان وهو أن يثبتالمؤمنون على إيمانهم وأن يضحوا بأبدانهم حماية لأديانهم وأن يؤثروا أن تخرجأرواحهم ولا يخرج الإيمان من قلوبهم فهذا نصر للعقيدة وانتصار للإيمان . فنبي اللهإبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو يلقى في النار فلا يرجع عن عقيدته ولا عن الدعوةإليها أكان في موقف نصر أم في موقف هزيمة ؟ ما من شك في منطق العقيدة أنه كان فيقمة النصر وهو يلقى في النار مع أن الذين ألقوه في النار يرون أنفسهم أنهم قد هزموه ، كما أنه انتصر مرة أخرى وهو ينجو من النار . هذه صورة وتلك صورة وهما في الظاهربعيد من بعيد فأما في الحقيقة فهما قريب من قريب !

    وهذا خبر الغلام في قصةأصحاب الأخدود حين عجز الملك عن قتله فقال له : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، وانظر إلى عزة الإسلام وهو يقول للملك "ما آمرك به" قال : ما هو ؟ قال : تجمعُالناس في صعيد واحد وتصلُبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبدالقوس ثم قل : باسم اللهِ ربِّ الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمعالناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبدالقوس ثم قال : باسم الله ربِّ الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صُدغه، فوضع يده فيصُدغه في موضع السهم فمات . فقال الناس : آمنا بربِّ الغلام، آمنا بربِّ الغلام،فأُتي الملك فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك قد آمن الناس . فانظرواكيف ضحى هذا الغلام بحياته من أجل الدعوة، وهذا ما يجب على الدعاة إلى الله عز وجلأن لا يبخلوا بشيء في سبيل نشر دعوتهم، ولو أنفقوا حياتهم ثمناً لإيمان الناس، فقدمضى الغلام إلى ربه، إلى رحمته وجنته وآمن الناس بدعوته، عند ذلك أمر الملك بحفرالأخاديد في أفواه السكك وأضرم فيها النيران وقال : من لم يرجع عن دينه فأقحموهفيها، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام : ياأماه اصبري فإنك على الحق، وسجل الله عز وجل لنا في كتابه الخالد خاتمة القصة،وعاقبة الفريقين في الآخرة فقال عز وجل (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَبِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوابِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِوَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَوَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْعَذَابُ الْحَرِيقِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) .

    في النظرة القريبة قد يُظن أن هؤلاء قد انهزموا لكنهم في الحقيقة أنهمانتصروا وأيّ انتصار وإن كانت نهايتهم الحرق بالنار .
    وقافلة الإيمان تسيريتقدمها الأنبياء الكرام والصديقون والشهداء (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوامَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْيَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) ما جفت الأرض من دماء الشهداء في عصر منالعصور ولا خلت الأرض من مخلص يقدم للأمة نموذجاً فيموت هو وينتشر الخير بعده بسببه ،فهذا صاحب الظلال رحمه الله كان قتله انتصاراً لمنهجه الذي عاش من أجله ومات فيسبيله بذل حياته كلها من أجل أن يبين في وقته أن الحكم من أمور العقيدة والتحاكمإلى غير شرع الله والحكم بغير حكمه كفر بالله عز وجل (إن الحكم إلا لله أمر ألاتعبدوا إلا إياه) وقال تعالى : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)وبعد أن حكم عليه بالإعدام وقبل أن ينفذ فيه الحكم الظالم كتبهذه الأبيات وكتبالله عز وجل لها الحياة وخرجت من وراء القضبان تقول للعالم .
    أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتـلك القيـود
    إذا كنتبالله مستعصما فماذا يضيرك كيـد العبـيد
    أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق فيالكون فجر جديد
    أخي إن مت نلق أحبابنا فروضات ربي أعدت لنا
    وأطيارهارفرفت حولنا فطوبى لنا في ديار الخلود
    أخي إن ذرفت عليّ الدموع وبللت قبريبها في خشوع
    فأوقد لهم من رفاتي الشموع وسيروا بها نحو مجد تليد
    فرحمة الله على صاحب الظلال . قالعنه أحد الشيوعيين وهو في سجنه : إنني أتمنى أن أقتل كما قتل وينشر مبدئي وكتبي كماانتشرت كتبه .
    نعم لقد وجدنا مطابع النصارى في لبنان تسارع إلى طباعة ونشر كتبهبعدما قتل من أجلها ، وهذا ما قصده رحمه الله عندما قال : إن كلماتَنا وأقوالَناتظل جثثاً هامدة حتى إذا متنا في سبيلها وغذيناها بدمائنا عاشت وانتفضت بين الأحياء . إنه نصر وأيّ نصر ، إنه أعظم وأجل من انتصارات كثير من المعارك والتي سرعان ماتنتهي بانتهائها أما هذا النصر فإنه يبقى ما شاء الله أن يبقى .
    وكم من شهيد ماكان يملك أن ينصر عقيدته ودعوته ولو عاش ألف عام كما نصرها باستشهاده ويظن أعداؤهأنهم قد انتصروا عليه ، وما كان يملك أن يودع القلوب من المعاني الكبيرة ويحفزالألوف إلى الأعمال الكبيرة بخطبة مثل خطبته الأخيرة التي كتبها بدمه ، فتبقىحافزاً ومحركاً للأبناء والأحفاد وربما كانت حافزاً ومحركاً لخطى التاريخ كله مدىأجيال .

    النوع الرابع من أنواع انتصار المؤمنين :وهو أن يحمي الله عز وجل عبادهالمؤمنين من كيد الكافرين كما قال تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) وكما قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : (واللهيعصمك من الناس) وجاء في السيرة المباركة كيف عصمه الله عز وجل من الرجل الذي رفععليه السيف وقال : من يعصمك مني ؟ فقال الله( فارتجف الرجل وسقط السيف من يده .وقصة الشاه المسمومة التي انطقها الله عز وجل وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلمبأنها مسمومة . وقصة إجلاء بني النضير، ونزول جبريل وميكائيل يوم أحد يدافعان عنشخص النبي صلى الله عليه وسلم . كل هذا وغيره يعد صوراً من حماية الله لأوليائه وهونصر لهم .
    وهل سمعتم عن يوم الرجيع ؟ هل تعرفون عاصم بن ثابت رضي الله عنه ؟بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عيناً وأمّر عليهم عاصم بن ثابت فانطلقوا حتىإذا كانوا بين عسفان ومكة ذُكروا لحيّ من هذيل يقال لهم : بنو لحيان فتبعوهم بقريبمن مائة رامٍ، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منـزلا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه منالمدينة، فقالوا : هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتُهي إلى عاصموأصحابه لجأوا إلى مكان مرتفع وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاقإن نزلتم إلينا لا نقتل منكم رجلا . فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر،اللهم أخبر عنّا نبيك، فقاتَلوهم حتى قَتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل، وبعثت قريشإلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قد قتل عظيماً من عظمائهم يومبدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء .وكان عاصم بن ثابت قد عاهد الله أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً أبدا، فكان عمريقول لما بلغه خبره : يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه في حياته. فكانعاصم رضي الله عنه مدافعاً أول النهار عن دين الله، ودافع الله عز وجل عن جسده آخرالنهار، فلم يمسه مشرك . فإن قال قائل : لماذا لم يمنعهم الله عز وجل من قتله كمامنعهم من الوصول إلى جسده بعد قتله ؟ فالجواب : أن الله عز وجل يحب أن يرى صدقالصادقين ويحب أن يرى عباده المؤمنين وهم يبذلون أنفسهم لله عز وجل فيبوئهم منازلالكرامة، ويزيدُهم من فضله، فالله عز وجل أراد أن يشرّفه بدرجة الشهادة فلم يمنعهممن قتله ثم حمى الله عز وجل جسده من أن يمسه مشرك . فهذه صورة من صور النصر ولوانتهت بموت وقتل صاحبه .

    النوع الخامس من النصر الذي ينصر الله عز وجل به عباده المؤمنين : وهو نصر الحجة كما قال تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَاإِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَحَكِيمٌ عَلِيمٌ) والرفع هو الانتصار ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهمكذلك" . فهذا الظهور أدناه أنه ظهور حجة وبيان، وقد يكون معه ظهور دولة وسلطان .

    هذه أنواع من النصر كلها تدخل في وعد الله سبحانه وتعالى (وَكَانَ حَقًّاعَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ولكن النصر الذي بشرنا الله عز وجل به، وبشرنا بهرسوله صلى الله عليه وسلم هو النصر الأول وهو نصر التمكين والظهور قال الله تعالىهوالذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وقالالنبي صلى الله عليه وسلم : "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللهبيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز اللهبه الإسلام وذلاً يذل به الكفر" وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله زوى لي الأرضفرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زُوي لي منها". وعن أبي هريرة رضيالله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تقوم الساعة حتى يقاتلالمسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقولالحجر أوالشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه منشجر اليهود" . ونقرأ هذه الأحاديث تحقيقاً لوعد الله ووعد نبينا صلى الله عليه وسلمونحن بانتظار الشمس أن تشرق وهذا الليل أن ينجلي وذلكم الصبح أن يتنفس ..
    صبح تنفس بالضياء وأشرقا وهذه الصحوةالكبرى تهز البيرقا
    وشبيبة الإسلام هذا فيلق فى ساحة الأمجاد يتبع فيلقا
    وقوافل الإيمان تتخذ المدى ضرباً وتصنع للمحيط الزورقا
    وما أمرهذيالصحوة الكبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا
    هـي نخلة طاب الثرى فنمى لهاجذع طويل فى التراب وأعذقا
    هي في رياض قلوبنا زيتونة فى جذعها غصن الكرامةأورقا
    فجر تدفق من سيحبِس نوره ؟! أرني يداً سدت علينا المشرقا


    إن الثقة بنصر الله ،وعونه ووعده الحق لمن جاهد في سبيله ، هي زاد الطريق ،ومفتاح الأمل ، ونور الأجيال الإسلامية التي تبصر بها آفاق الرحلة وتبقى لحظة النصروبشارة التمكين حية شاخصة في رؤى المجاهدين ومشاعرهم وإن من فقد هذه الثقة باللهونصره ، فقد خسر خسراناً مبيناً ، ومن تشكك فيها لحظة ، فقد تأخر عليه النصر علىقدرها (مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِفَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْيُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آياتٍ بَيِّنَاتٍوَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ) .
    منكان يشك في نصر الله لأوليائه فليقرأقول اللهتعالى : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِالدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) من كان يشك في نصر الله لأوليائه فليقرأقوله سبحانه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْفَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَحَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) من كان يشك في نصر الله لأوليائه فليقرأقوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍتُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَفِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْكُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِيمِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌقَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) من كان يشك في نصر الله لأوليائه فليقرأ قولهتعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِلَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) .
    إن نصر الله جل وعز متحقق لمن يستحقونهوهم المؤمنون الذين يثبتون حتى النهاية ، الذين يثبتون علىالبأساء والضراء ، الذين يصمدون للزلزلة الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة ، الذينيستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله ، وعندما يشاء الله ، وحتى حين تبلغ المحنة ذروتهافهم يتطلعون فحسب إلى نصر الله لا إلى أي حل آخر ، ولا إلى نصر لا يجيء من عند الله ، ولا نصر إلا من عند الله ومع ذلكفإن من سننالله تعالى أن النصر قد يتأخر ولو كان أهله مسلمون وأعدائهم كفار وذلك لأسباب :
    منها : أن البنية للأمة لم تنضج بعد ولم يتم بعدتمامها ولم تُحشد بعد طاقاتها ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها منقوى واستعدادات فلو نالت النصر حينئذٍ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلا . لأن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه لأنه رخيص الثمن لم تُبذل فيهتضحيات عزيزة .
    ومن الأسباب أيضاً :أنه قد يتأخر النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتهابالله وهي تعاني وتتألم وتتأذى وتبذل ولا تجد لها سنداً إلا الله ولا ملجأً إلاإليه ، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على المنهج الصحيح بعد النصر عندمايتأذن به الله ، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها الله به .
    وقد يتأخر النصر أيضاً :لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتهالله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه أو تقاتل حمية لذاتها أو تقاتل شجاعة أمامأعدائها . والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله بريئاً من المشاعر الأخرىالتي تلابسه وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم : الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتلشجاعة والرجل يقاتل ليرى مكانه فأيها في سبيل الله ؟ فقال :( من قاتل لتكون كلمة اللههي العليا فهو في سبيل الله ) متفق عليه .
    وقد يتأخر النصر أيضاً :لأن الباطل الذيتحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً فلو غلبه المؤمنون حينئذٍ فقد يجدالباطل له أنصاراً من المخدوعين فيه لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله فتظل لهجذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة فيشاء الله أن يبقى الباطل مدةمن الزمن حتى يتكشف عارياً للناس وإذا ما ذهب فإنه يذهب غير مأسوف عليه .
    وقد يتأخر النصر أيضاً :لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذيتمثله الأمة المؤمنة . فلو انتصر حينئذٍ للقيت معارضة من البيئة حولها لا يستقرمعها قرار ، فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافرولاستبقائه .

    من أجل هذا كله ومن أجل غيره مما يعلمه الله ولا نعلمه نحن قديتأخر نصر الله فتتضاعف التضحيات وتتضاعف الآلام وتتضاعف معها الأجور وفي كل ذلكخير مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية (وَلَيَنصُرَنَّاللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْمَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوابِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ وَإِنْيُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُإِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُلِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ فَكَأَيِّنْ مِنْقَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَاوَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَلَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَاتَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِوَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّيَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وَكَأَيِّنْ مِنْقَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّالْمَصِيرُ) .

    كن أول من يقيم الموضوع
    12345