• التاريخ والقصص
  • 1151
  • 11/8/2008
  • الشيخ محمد الحسن الددو
  • إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

    {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}، أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، عباد الله إن أهل السير يذكرون أنه في هذه الأيام التي أنتم فيها كانت قصة الإسراء والمعراج برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، وهي قصة عظيمة شرف الله بها هذه الأمة وشرف بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وفرض فيها الصلاة التي هي عماد الدين، ومبدأ هذه القصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نائما ببيته أو ببيت أم هانئ أو في المسجد الحرام في جوف الليل الآخر فأتاه جبريل ففرج السقف أي رفعه ثم رده، فعاد السقف كما كان، وحكمة ذلك أنه سيشق صدره ويلتئم ويعود كما كان، فكان شق سقف البيت تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتنبيها إلى أن الأمر سيعود كما كان، فشق صدره وغسل قلبه بماء زمزم وجاء بإناء من ذهب قد ملئ حكمة ونورا فحشا به قلبه ثم رده كما كان، ثم عرج به، وفي رواية أنه ذهب به إلى باب بني جمح، فوجد البراق عنده وهو دابة بين الحمار والفرس، فأمره أن يركبه فشمس منه أي نفر منه فوضع جبريل يده على ظهره وقال: مه فما ركبك أفضل منه فاستكان لها البراق، فركبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار به إلى بيت المقدس فربطه في الحلقة التي يربط فيها الأنبياء دوابهم ثم دخل فوجد الأنبياء ينتظرونه فصلى بهم هنالك صلاة ليست إحدى الفرائض وإنما هي صلاة في آخر الليل وهم موتى غير مكلفين إلا عيسى عليه السلام، ثم بعد ذلك عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنه نصب له المعراج هنالك،

    وفي رواية أن البراق ارتفع به فلما وصل إلى سماء الدنيا استأذن جبريل فقيل: من معك فقال: محمد، قيل أو قد أرسل إليه قال: نعم، قيل: فمرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح له باب السماء الدنيا، فإذا آدم وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، قال: فسألت جبريل ما هذه الأسودة فقال: نسب بنيه، أما الذين عن يمينه فأهل السعادة وأما الذين عن شماله فأهل الشقاوة، إذا نظر قبل يمينه ضحك لكثرة من يرى من أهل السعادة من بنيه، وإذا نظر قبل شماله بكى لكثرة من يرى من أهل الشقاوة من بنيه، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح ثم عرج به إلى السماء الثانية فاستأذن جبريل فقيل من قال جبريل قيل من معك قال: محمد، قيل أو قد بعث إليه قال: نعم قيل: فمرحبا به ونعم المجيء جاء، ففتح له باب السماء الثانية، فإذا فيها عيسى ويحيى عليهما السلام، فقالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فاستأذن جبريل كذلك فقيل له: ما قيل فأجاب بمثل ما أجاب به من قبل ففتح له باب السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف عليه السلام وإذا هو قد أوتي شطر الحسن وقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم الحسن كله، فقال: مرحبا بالأخص الصالح والنبي الصالح، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فإذا إدريس عليه السلام بعد الاستئذان، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فإذا هارون عليه السلام فرحب به كذلك بهذا الترحيب ثم عرج به إلى السماء السادسة فإذا موسى عليه السلام وإذا هو مثل رجال شنوءة فرحب به هذا الترحيب كذلك فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخص الصالح، ثم عرج به إلى السماء السابعة فإذا إبراهيم عليه السلام وإذا أشبه الناس به صاحبكم أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مسند ظهره إلى البيت المعمور، وهو بيت بحذاء البيت الحرام في السماء السابعة يطوف به الملائكة، وفي كل يوم يدخله سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه بعد، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، ثم بعد ذلك عرج به حتى بلغ سدرة المنتهى، وهناك رجع جبريل فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مستوى يسمع منه صريف الأقلام، فرأى سدرة المنتهى وإذا هي يغشاها ألوان لا يدري ما هي وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، وإذا نبقها مثل قلال هجر،
    ثم بعد ذلك أدخل الجنة فرآها ورأى ما فيها من النعيم المقيم، ثم فرضت عليه خمسون صلاة عليه وعلى أمته فنزل حتى إذا أتى موسى، قال: كم فرض عليك ربك من الصلاة، فقال: خمسين صلاة، فقال: إن أمتك لا يستطيعون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فرجع فسأل الله التخفيف فحط عنه خمسا، وفي رواية أنه حط عنه الشطر أي خمسا وعشرين، ثم رجع إلى موسى فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فرجع فحط عنه خمسا، وفي رواية أنه حط عنه شطر الشطر، أي ثلاث عشرة صلاة، لأن الخمس والعشرين نصفها اثنتا عشرة ونصف والنصف غير معتبر فكملت به الأولى فحط عنه ثلاث عشرة صلاة بعد خمس وعشرين، ثم بعد ذلك لما رجع حط عنه سبعا وقال له: هن خمس وهن خمسون ما يبدل القول لدي، وفي الرواية الأخرى أنه في كل مرة يحط عنه خمسا، فلما لم يبق إلا خمس قال له: هن خمس وهن خمسون ما يبدل القول لدي، أي هن خمس في الأداء وهن خمسون في الأجر، ما يبدل القول لدي فلا نسخ في ذلك ولا تبديل أبدا، ثم رجع إلى موسى فقال له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال: استحييت من ربي،

    وقد ذكر أهل العلم نكتة في استحيائه صلى الله عليه وسلم من ربه، قالوا: قد علم في الماضي أنه في كل مرة يحط خمسا، فالخمس إذن هي معيار الحط ولم يبق إلا خمس فإذا طلب التخفيف فكأنما يعتذر عن الصلاة كلها، فلذلك استحيا من الله ولم يسأله أن يحط عنه هذه الخمس، فبارك الله في هذه الخمس وأصبحت شعار الإسلام ودعيمته الأولى بعد الشهادتين، ثم بعد ذلك نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصل صلاة الفجر ينتظر البيان أي بيان هيأة الصلاة وأركانها وطهارتها، وكان من قبل الإسراء والمعراج قد فرض عليه ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي، وكان يتحنث قبل الوحي، وهذا التحنث، هو التعبد، فقيل بملة إبراهيم وقيل بملة عيسى ابن مريم لأنه أقرب الأنبياء إليه في الزمان، وقيل: بما بلغه عن الله سبحانه وتعالى من ملل جميع الأنبياء، وعند صلاة الظهر أتاه جبريل في أول الزوال فعلمه الطهارة وهي الوضوء إذ ذاك وقد كان يعرف الغسل لأنه كان من ملة إبراهيم، فعلمه الوضوء ففرض الوضوء كان مع الصلاة، إلا أن الصلاة فرضت فوق السماوات السبع والوضوء فرض بمكة، عندما أتاه جبريل يعلمه، فعلمه الصلاة وبدأ بصلاة الظهر فصلاها عند أول الزوال عندما كان الفيء مثل الشراك أي قدر شراك النعل، أي عندما يكون ظل الجدران شرقها على قدر شراك النعل ، ثم بعد ذلك انتظر حتى كان وقت العصر وهو عندما صار ظل كل شيء مثله فصلى به العصر ثم لما غربت الشمس صلى به المغرب، ثم لما غاب الشفق صلى به العشاء ثم لما طلع الفجر صلى به الفجر، ثم بعد ذلك في اليوم الثاني انتظره فلم يأت حتى كان وقت العصر وهو عندما صار ظل كل شيء مثله فصلى به الظهر، ثم أتاه عندما صار ظل كل شيء مثليه فصلى به العصر، ثم أتاه عندما غربت الشمس فصلى به المغرب لوقتها الأول، ثم أتاه عندما ذهب ثلث الليل فصلى به العشاء، ثم أتاه عندما أسفر فصلى به الصبح ثم قال: يا محمد هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين، وهذه القصة العظيمة خلدها الله في كتابه فقال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}،

    وقال تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا}، وقال تعالى: {والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى}.

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.



    الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه، عباد الله إن في هذه القصة كثيرا من العبر العجيبة، فمنها تشريف الله لهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث جمع له الأنبياء السابقين جميعا فصلوا وراءه فكان إمامهم وأفضلهم، وفيها تشريف المكان فقد كانت بدايته من البيت الحرام ثم بعد ذلك إلى المسجد الأقصى ثم بعد ذلك إلى سدرة المنتهى، ثم إلى مكان أرفع من ذلك يسمع منه صريف الأقلام، وكل هذا تشريف لهذه الأمكنة وتعظيم لشأنها، وكذلك فإن فيه تعظيما لجبريل عليه السلام فهو أمين الله على وحيه وقد أثنى الله عليه في كتابه فقال: {علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى}، وقال فيه أيضا: {وإنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون}.

    وفيه تشريف كذلك لهؤلاء الأنبياء الذين أتى الله بهم ليستقبلوه في السماوات، ففي كل سماء أعد له وفدا للترحيب، وقد ألقى الله عليهم هذا الترحيب بهذا اللفظ العظيم: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح أو الابن الصالح، وهذا يدل على أن لفظ الترحيب الأفضل والأكمل هو هذا اللفظ الذي ألهمه الله أنبياءه في الترحيب برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل كذلك على استقبال الوفود المعظمة، ففي كل سماء أعد الله رسولا من رسله ونبيا من أنبيائه لاستقبال رسوله وحبيبه وخليله صلى الله عليه وسلم، وفي هذه القصة كذلك فضل إبراهيم ومنزلته فقد جعل في السماء السابعة عند البيت المعمور، وأشبه الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نوه الله بمنزلته ومكانته فقال: واتخذ الله إبراهيم خليلا، وأمرنا باتباعه فقال: ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا، وكذلك بين الله سبحانه وتعالى سفه من حاد عن ملته فقال: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}.

    كذلك في هذه القصة أيضا عظم شأن هذه الصلاة فهي أم الدعائم وهي عماد الدين، وقد كانت الشرائع الأخرى تنزل إلى الأرض فتوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بلده الذي هو فيه، فلما حان فرض الصلاة رفع هو إليها حتى فرضت عليه في هذا المستوى، ليدل ذلك على الاهتمام بها، وقد أخرج مالك في الموطإ أن عمر كان يكتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع وأضيع.

    وهذه الصلاة هي العهد الذي بين الله وبين عباده، فمن ضيعها فلا حظ له في الإسلام كما قال أمير المؤمنين عمر عندما جرح فقال له رجل يا أمير المؤمنين الصلاة، فقال: نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، وقال: حد ما بين العبد والشرك والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر، وهذه الصلاة هي الصلة بيننا وبين ربنا جل جلاله، ففيها التقرب إليه، فأقرب أحوال العبد من ربه حال سجوده وهو في الصلاة فقط، وكذلك فيها استجابة الدعاء، وفيها الثناء على الله سبحانه وتعالى، وتسبيحه بالمحامد التي هو أهلها، ثم بعد ذلك في هذه القصة من العبر تشريف بيت المقدس، ومكانته السامقة الرفيعة، حيث جعله الله في هذه الرحلة ومنتهى للرحلة الأرضية، بعد أن بدأت من البيت الحرام، وهذا تنويه بذكره ورفع لمنزلته، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثاني البيوت المقدسة في الأرض، فأول بيت وضع للناس هو البيت الحرام بمكة، كما قال الله تعالى: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أن ثاني بيت هو البيت المقدس بإيلياء وهو بيت المقدس، وأن بينهما أربعين سنة أي بعد بناء البيت الحرام بنى الملائكة بيت المقدس بأربعين سنة، وهذا البيت المقدس المطهر هو الآن كما تعلمون تحت احتلال اليهود وسطوتهم منذ مدة طويلة،

    ويجب على المسلمين استخلاصه واستنقاذه منهم، ولا يحل لهم إسلامه ولا إهماله فهو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمكان الذي شرف الله به هذه الأمة بقيادة الأمم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضله فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد وأن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، وأن الصلاة في المسجد الأقصى خير من خمسمائة صلاة فيما سواه من المساجد، وهذا المسجد المقدس بناه أنبياء الله عليهم السلام فبناه إبراهيم عليه السلام بعد بنائه للكعبة، وبناه داود وسليمان كذلك،

    ثم بناه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن فتح الله على يديه مدينة إيلياء ثم جدده بعد ذلك عبد الملك بن مروان وابنه الوليد واستمرت عناية المسلمين به يفدون إليه من مشارق الأرض ومغاربها، وقد جربت استجابة الدعاء فيه وصلاح الفساق إذا أتوه، وهو مكان مقدس بارك الله فيه وبارك فيما حوله من الأرض، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال فيه طائفة من أهل الحق منصورين ظاهرين فقد أخرج عنه البزار وغيره أنه قال: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله قيل: أين هم يا رسول الله قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل أهل الشام عموما فقد أخرج عنه الترمذي في السنن بإسناد صحيح أنه قال: إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، وكذلك أخرج أبو داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه ستكون هجرة بعد هجرة فيوشك أن يكون خير مهاجركم مهاجر أبيكم إبراهيم عليه السلام وهي الهجرة إلى الشام عندما ينزل المسيح بن مريم عليه السلام هنالك فيهاجر إليه المؤمنون، فكل من علم الله فيه الخير من مشارق الأرض ومغاربها سيهاجر إليه، فينصر معه هذا الدين ويقاتل معه اليهود، وإنه من العار على الأمة الإسلامية أن يبقى هذا البيت المقدس المطهر تحت أيدي اليهود الغاصبين الخائنين وهم أعداء الله من خلقه وأعداء رسله وأعداء ملائكته وأعداء كتبه، ومع ذلك لا ينتصر له المسلمون ولا يقومون بحقه، فعندما احتله الصليبيون ومكث تحت أيديهم مدة كان أمراء البلاد الإسلامية يسعون لتطهيره من أيديهم، وقد بذلوا جهودهم في ذلك، وكان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وهو سلطان مصر من أهل الحديث فأتاه طلاب الحديث ليحدثهم بالحديث فحدثهم ببعض المسلسلات حتى حدثهم بالحديث المسلسل بالابتسامة فلم يبتسم، فسألوه أن يبتسم ليستمر لهم التسلسل فقال: إني لأستحيي من الله أن أبتسم وبيت المقدس في أيدي الصليبيين،

    ولتقارنوا هذا بحال قادة هذه الأمة الذين يقهقهون وبيت المقدس تحت من هم أقذر وأنجس من الصليبيين، إن صلاح الدين قد انتصر لبيت المقدس فجاهد فنصره الله وأعلى كلمته وبقي إلى الآن محل ترحم وترض من المسلمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها، كتب الله له القبول والنصرة ونصره على أعدائه ومكن له في الأرض، وهذا الشرف العظيم الذي حصل عليه صلاح الدين ما حصل عليه إلا بعمله وهمته حيث نصر الله وانتصر لبيته وأنقذه من أيدي أعدائه، فلذلك على هذه الأمة أن تقوم الآن لله بالحق وأن تثوب إلى رشدها، وأن تطهر بيت المقدس من رجز اليهود، وقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيفتح في آخر الزمان، وفتحه هو خراب المدينة وبعد ذلك فتح رومية وبعد ثماني سنوات يخرج الدجال فيخرج في الثامنة أي في السنة الثامنة بعد فتح رومية، كل ذلك وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وستقع هنالك معركتان عظيمتان أولاهما قبل نزول المسيح بن مريم وقبل خروج الدجال وفيها يفتح بيت المقدس، والثانية إنما تكون مع المسيح ابن مريم عليه السلام حتى يتكلم فيها الشجر والحجر فيقولان يا عبد الله يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.

    إن هذه القصص العظيمة فيها كثير من العبر التي لا نستطيع إحصاءها، وفيها كذلك تشريف للأشهر الحرم وبالأخص لهذا الشهر الذي أنتم فيه ولم يبق منه إلا أيام معدودات لم يبق منه إلا أسبوع، وهو شهر رجب المطهر، رجب مضر وقد كان الناس يعظمونه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصومون فيه ويتصدقون وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقد أخرج أصحاب السنن من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أراك تكثر الصيام في شهر شعبان، فقال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهذا يدل على أن الناس كانوا يقارنون رجبا برمضان، فيعملون فيه كثيرا من الأعمال الصالحة، ومع ذلك يغفل الناس اليوم عن الأزمنة المطهرة المعظمة شرعا، فلا يعظمون شعائر الله بالإقبال على الطاعة فيها كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون، وهذا الشهر قد آذن بالوداع، فعليكم أن تدركوا بقيته، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود وغيره أنه قال: صم من الحرم وأفطر، صم من الحرم وأفطر صم من الحرم وأفطر.

    فمن استطاع أن يصوم هذا الأسبوع الباقي منه أو ما استطاع منه فذلك فضل عظيم، وكذلك عليكم بالصدقة فيه وبالأخص على إخوانكم المحاصرين في فلسطين، فقد مكثوا الآن إلى هذا اليوم ستة أشهر وهم تحت الحصار والكهرباء مقطوعة عن جل أحيائهم، وهم يشكون من انقطاع الماء والكهرباء ومن الأذى تهدم عليهم بيوتهم ويقتل نساؤهم وأطفالهم، فاجتهدوا في مواساتهم ما استطعتم في بقية هذا الشهر الكريم، وكذلك اجتهدوا في الدعاء للمسلمين أن يغير الله أحوالهم إلى أحسن الأحوال وأن يصلح شأنهم وأن يجعلهم في قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك جهاد لا تحتقروه، فالدعاء يصطرع في السماء مع البلاء ولا يرد القدر إلا الدعاء، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء هو العبادة، وذلك لما فيه من التذلل لله جل جلاله، وإفراد العبادة له وقصد وجهه الكريم جل جلاله، فاجتهدوا فيه في الدعاء، واعلموا أن الله قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكة قدسه وثلث بكم معاشر المؤمنين فقال جل من قائل كريما: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأوهن كيد الكافرين وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم أظهر دينك وكتابك على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

    اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يجاهدون لإعلاء كلمتك في كل مكان، اللهم ثبت أقدامهم وسدد سهامهم واجمع على الحق قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم أنزل بأسك ورجزك وسخطك وعذابك على كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك ويصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم آية وأخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين مهزومين يا قوي يا متين، اللهم منزل الكتاب وهازم الأحزاب ومجري السحاب اهزم اليهود وأخرجهم من بيت المقدس مهزومين منكوبين يا قوي يا متين، اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس اليهود، اللهم طهر المسجد الأقصى من أيدي اليهود، اللهم طهر المسجد الأقصى من أيدي اليهود، اللهم لا تحرمنا صلاة فيه بعد أن تحرره من أيديهم يا أرحم الراحمين، اللهم اخلف نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته بخير، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم فرج كروبهم، اللهم فرج كربهم، اللهم فرج كربهم، اللهم انصرهم على أعدائهم، اللهم اشف مرضاهم وحقق رجاءهم واستجب دعاءهم يا أرحم الراحمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك واجعل المال في أيدي أسخيائنا اللهم إله الحق استجب دعاءنا وحقق رجاءنا يا أرحم الراحمين.

    اللهم املأ قلوبنا من الإيمان وأجسادنا من الصحة وجوارحنا من الطاعة وأيدينا من الخير وأغننا عمن أغنيته عنا من خلقك، اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين وفك أسر المأسورين من المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم أنت أرحم الراحمين وأنت أكرم الأكرمين فأنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على المبتلين من المسلمين، اللهم فرج همهم ونفس كربهم يا أرحم الراحمين، اللهم اجمع شملهم يا قوي يا عزيز، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين في فلسطين وفي العراق وفي لبنان وفي أفغانستان وفي كشمير وفي الشيشان وفي كل مكان يا أرحم الراحمين، اللهم احقن دماءهم وتول أمرهم واجبر كسرهم يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك أن تجمع شملنا وأن تحقق رجاءنا وأن تجمع على الحق قلوبنا يا أرحم الراحمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء سعة وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين، اللهم إن بالعباد والبلاد والخلائق والبهائم من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أنزل لنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا نافعة تعم البلاد، اللهم اسقنا السهل والجبل، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أرحم الراحمين.

    عباد الله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه شكرا حقيقيا يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون، يغفر الله لنا ولكم.

    كن أول من يقيم الموضوع
    12345