الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، أمه فاطمة الزهراء، وجدته خديجة الكبرى، وهو أصغر من الحسن.

كان الحسن والحسين أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صح عن عليٍّ قال: "الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه به ما كان أسفل من ذلك".1

وقد ورد في فضلهما العديد من الأحاديث والآثار، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "هما ريحانتاي من الدنيا"2، "والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".3

استشهد الحسين رضي الله عنه يوم الجمعة، يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين، وله من العمر ثمان وخمسون سنة، ولم يفلت من أهل بيت الحسين سوى ولده عليّ الأصغر، الملقب بعلي زين العابدين، لأنه كان مريضاً، فالحسنية من ذريته.

الدافع للحسين رضي الله عنه للخروج للكوفة

بعد موت معاوية رضي الله عنه وولاية يزيد، كثر ورود كتب أهل العراق على الحسين بن علي رضي الله عنهما وهو بمكة، كما قال الحـافظ ابن كثير رحمه الله4: (فكان أول من قـدم عليه عبدالله بن سبع الهمداني، وعبد الله بن والٍ... ثم بعثوا بعدهما نفراً، منهم: قيس بن مسهر الصدائي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكوا الأرحبي، وعمارة بن عبدالله السلولي، ومعهم نحو من مائة وخمسين كتاباً إلى الحسين، ثم بعثوا هانئ بن هانئ السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، ومعهما كتاب فيه الاستعجال في السير، وكتب إليه شيث بن ربعي، وحجار بن أبحر، ويزيد بن الحارث ابن رويم، وعمرو بن حجاج الزبيدي، ومحمد بن عمر بن يحيى التميمي: أما بعد، فقد اخضرت الجنان، وأينعت الثمار، ولطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجندة، والسلام عليك.

فاجتمعت الرسل كلها بكتبها عند الحسين، وجعلوا يستحثونه، ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضاً عن يزيد بن معاوية).

هذا الذي دفع الحسين رضي الله عنه إلى الخروج إلى العراق، بعد أن كان عازماً على البقاء بالحجاز، بعد تدبير الله عز وجل وإرادته له الشهادة في سبيله.

بعد ذلك بعث إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليتحقق له من خبرهم ويتثبت من عزمهم.

عندما وصل إليهم مسلم الكوفة، اجتمع عليه من أهلها اثنا عشر ألفاً، ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفاً، ثم ازداد عددهم حتى وصل إلى المائة ألف، فكتب مسلم إلى الحسين قبل أن يقتل: ليقدم عليها، فقد تمهدت له البيعة والأمور، فعزم الحسين وتجهز للخروج.

ã

تحذير الآل والأصحاب للحسين رضي الله عنه من الخروج إلى الكوفة

عندما شاع عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة هرع أهل الفضل والصلاح والرأي من الآل والأصحاب وغيرهم ليردوه من الخروج إلى قومٍ خذلوا أباه، وكانوا سبباً في موت أخيه الحسن رضي الله عنهم جميعاً، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً.

من الذين نصحوا وأشاروا على الحسين بعدم الخروج إلى شيعته بالعراق على سبيل المثال لا الحصر من يأتي:

1. ابن عباس رضي الله عنه

قال ابن كثير: "قال سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس، قال: استشارني الحسين بن علي في الخروج، فقلت: لولا أن يزري بي وبك الناس لشبكت يدي في رأسك، فلم أترك تذهب؛ فكان الذي رد عليَّ أن قال: لأن أقتل في مكان كذا وكذا أحب إليَّ من أن أقتل بمكة؛ قال: فكان هذا الذي سلى نسي عنه".

وفي روايـة لابن كثير كذلك: "أن الحسين لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه ابن عباس فقال: يا ابن عم، إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبين لي ما أنت صانع؟ فقال: إني قد أجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء الله تعالى؛ فقال له ابن عباس: أخبرني إن كان قد دعوك بعد ما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حي، وهو مقيم عليهم، وقاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزوا عليك الناس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذين دعوك أشد الناس عليك5؛ فقال الحسين: إني أستخير الله وأنظر ما يكون؛ فخرج ابن عباس".

وفي رواية عند ابن كثير كذلك: "أن ابن عباس جاء إلى الحسين فقال له: يا ابن عم، إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق6 قوم غدر، فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن، فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعة7، وكن عن الناس في معزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب.

فقال الحسين: يا ابن عم! والله لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير؛ فقال له: فإن كنت ولابد سائراً فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه".

2. أخوه محمد بن الحنفية رحمه الله

من الذين نهوا الحسين رضي الله عنه عن الخروج إلى شيعة الكوفة أخوه محمد بن علي بن أبي طالب، الملقب بابن الحنفية، كما ذكر ذلك مؤرخ الإسلام الإمام الطبري في تاريخه.8

3. عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

من الذين نهوا الحسين من الخروج إلى شيعة العراق كذلك شيخ الصحابة في عصره عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، كما ذكر ذلك مؤرخا الإسلام الطبري وابن كثير.

يقول ابن كثير: "روى غير واحد عن الشعبي يحدث عن ابن عمر أنه كان بمكة، فبلغه أن الحسين بن علي توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليالٍ، فقال: أين تريد؟ قال: العراق، وإذا معه طوامير9 وكتب، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم؛ فقال: لا تأتهم، فأبى، فقال ابن عمر: إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم؛ فأبى أن يرجع، قال: فاعتنقه ابن عمر وبكى، وقال: أستودعك الله من قتيل"، وفي رواية: "من شهيد".

4. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما

قال ابن كثير: قال يحيى بن معين، حدثنا أبو عبيدة، حدثنا سليم بن حبان عن سعيد بن مينا قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: "عجل حسين قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني، ببني هاشم فتح هذا الأمر وببني هاشم يختم10، فإذا رأيت الهاشمي قد ملك فقد ذهب الزمان".

قال ابن كثير: هذا مع حديث ابن عمر السابق يدل على أن الفاطميين11 أدعياء كذبة، لم يكونوا من سلالة فاطمة كما نص غير واحد من الأئمة.

5. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه

قال ابن كثير: "فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله12! إني لكم ناصح، وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه قد كاتبكم قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج إليهم، فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، فمن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم نيات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف".

وفي رواية قال أبو سعيد: "غلبني الحسين على الخروج، وقلت له: اتق الله في نفسك والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك".

6. أبو واقد الليثي

قال: "بلغني خروج الحسين بن علي، فأدركته بملل13، فناشده الله أن لا يخرج، فإنه يخرج في غير وجه خروج، وإنما خرج يقتل نفسه، فقال: لا أرجع".

7. جابر بن عبد الله رضي الله عنه

قال: "كلمت حسين، فقلت: اتق الله، ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فوالله ما حمدتم ما صنعتم، فعصاني".

8. سعيد بن المسيب رحمه الله

قال: "لو أن حسيناً لم يخرج لكان خيراً له".

9. المِسْوَر بن مخرمة

قال للحسين: "إياك أن تغتر بكتب أهل العراق".

10. عمرة14 بنت عبد الرحمن

كتبت إلى الحسين تعظم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنه إن لم يفعل إنما يساق إلى مصرعه، وتقول: أشهد لسمعتُ عائشة تقول إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقتل الحسين بأرض بابل"، فلما قرأ كتابها قال: لابد لي إذاً من مصرعي؛ ومضى.

11. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام

قال له: "يا ابن عم، قد رأيتَ ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم، وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره، فأذكرك اللهَ في نفسك، فقال: جزاك الله يا ابن عم خيراً، مهما يقضي الله من أمر يكن؛ فقال أبوبكر: إنا لله وإنا إليه راجعون، نحتسب أبا عبد الله عند الله".

12. عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

كتب إلى الحسين يحذره أهل العراق، ويناشده الله إن شخص إليهم، فكتب إليه الحسين: "إني رأيت رؤيا، ورأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بأمر، وأنا ماضٍ له، ولست بمخبر بها أحداً حتى ألقى عملي".

13. عمرو بن سعيد بن العاص نائب الحرمين

كتب إليه يقول: "إني أسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يصرفك عما يراد بك، بلغني أنك قد عزمت على الشخوص إلى العراق، وإني أعيذك الله من الشقاق".



خذلان الشيعة للحسين ولرسوله مسلم بن عقيل

حدث الذي تنبأ به هؤلاء الأخيار، الناصحون، المشفقون، الأبرار، العالمون بمخازي الشيعة، ووقع كما تنبأوا به.

بدأ خذلان الشيعة للحسين بخذلان رسوله إليهم مسلم بن عقيل، فبعد أن منوه بالنصرة، والتف حوله أكثر من ثمانية عشر ألفاً منهم، اطمأن إليهم، وكتب إلى الحسين بذلك.

ولكن قبل مسير الحسين رحمه الله إليهم بيوم، يوم التروية لموسم 60هـ، قتل مسلم يوم عرفة، فلم يعلم الحسين بقتله، فتحرك إلى الكوفة.

عندما تخلى الشيعة عن مسلم وأسلموه لابن زياد، إذ لو ثبت معه عشر معشار الذين منوه بالنصرة لما وصل إليه ابن زياد، ولكن تركوه وحده، فأمر ابن زياد بمسلم بن عقيل فأصعد إلى أعلى القصر وهو يكبر، ويهلل، ويسبح، ويستغفر، ويصلي على ملائكة الله، ما نسي أن يدعو على أولئك القوم الغدر، حيث قال: "اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وخذلونا"، ثم ضرب عنقه، وألقي رأسه إلى أسفل القصر وأتبع رأسه جسده.

وكذلك لم يثبت مع الحسين رضي الله عنه عندما جد الجد، وجاءه عمر بن سعد من قبل ابن زياد، إلا أهل بيته، وهم دون العشرين، والستون الذين جاءوا معه من مكة، ولهذا دعا عليهم الحسين قائلاً: "اللهم إن أهل العراق غروني، وخدعوني، وصنعوا بأخي ما صنعوا، الهم شتت عليهم أمرهم، وأحصهم عدداً".15

لقد قاتل الحسين رضي الله عنه مقبلاً غير مدبر، ووجد به أكثر من بضع وثلاثين ضربة بالسيف، ومثلها طعنة برمح، واستشهد معه سبعة عشر رجلاً كلهم من أولاد فاطمة، وقيل ثلاثة وعشرون، ولم يسلم من أبنائه إلا علي زين العابدين، وكان صغيراً مريضاً.

لقد تمكن ابن زياد من استمالة كل الذين كاتبوا الحسين إن رغباً أورهباً، واشترى ذممهم بشيء من حطام الدنيا الفاني.

ولهذا صدق الفرزدق الشاعر عندما لقيه الحسين في الطريق وهو آتٍ من العراق، فسأله عن أمر الناس، وما وراءه، فقال: "قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء"، فقال له: "صدقت، لله الأمر من قبل ومن بعد".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله مبيناً كره الأمة لما نزل بالحسين، في رده على ما يقوم به الرافضة في يوم عاشوراء من الأعمال القبيحة، وما كان يظهره البعض من الفرح والسرور في هذا اليوم، لأن البدعة لا يرد عليها ببدعة مثلها، ومبيناً ضعف نفوس الرافضة، وميلهم إلى الدنيا: (فليس الأمر كما ذهبوا إليه، ولا كما سلكوه، بل أكثر الأئمة قديماً وحديثاً كاره ما وقع من قتله وقتل أصحابه، سوى شرذمة قليلة من أهل الكوفة قبحهم الله، وأكثرهم كانوا قد كاتبوه ليتوصلوا به إلى أغراضهم ومقاصدهم الفاسدة، فلما علم ذلك ابن زياد منهم بلغهم ما يريدون من الدنيا، وأخذهم على ذلك، وحملهم عليه بالرغبة والرهبة، فانكفوا عن الحسين فخذلوه ثم قتلوه).

انحاز إلى الحسين رضي الله عنه من جند ابن زياد، وكان من أشجعهم، الحر بن يزيد، وعندما لامه بعضهم على انحيازه للحسين قال مخاطباً لهم: "والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة غيرها ولو قطعت وحرقت".

ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين، فاعتذر إليه، ثم قال لأهل الكوفة: "يا أهل الكوفة، لامكم الهبل، أدعوتم الحسين إليكم حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدتم عليه لتقتلوه، ومنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة الوسيعة التي لا يمنع فيها الكلب ولا الخنزير، وحلتم بينه وبين الماء الفرات الجاري الذي يشرب منه الكلب والخنزير، وقد صرعهم العطش؟ بئس ما خلفتم محمداً في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ الأكبر إن لم تتوبوا وترجعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه.

فتقدم فقاتل عن الحسين رضي الله عنه قتالاً مستميتاً حتى قتل رحمه الله.

وكان الحسين رضي الله عنه يخاطب بعض الذين حملوا عليه السلاح بقوله: يا فلان، ألم تكتب إلي؟

ã

ما تفعله الشيعة في يوم عاشوراء ما هو إلا عقدة ذنب من خذلان أسلافهم للحسين

من البدع القبيحة والأعمال السيئة الشنيعة التي ابتدعها الشيعة في يوم عاشوراء البكاء، والعويل، والتسخط، والدعاء بدعوى الجاهلية، وقد نهى الشارع الحكيم عن شق الجيوب، ولطم الخدود، والدعاء بدعوى الجاهلية، ولكنه أمر أتباعه عند نزول المصائب بالصبر والاحتساب.

لا شك أن مقتل الحسين وآل بيته من المصائب العظام، والحوادث الجسام التي حلت بالأمة، لكن ما عند الله خير وأبقى، وعلينا جميعاً أن نتسلى بوفاة نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم جده، حيث لم ينل الحسين ولا غير الحسين الذي ناله إلا بشرف الانتساب إليه وباتباعه.

فما من مسلم إلا وهو حزين مكلوم لما أصاب الحسين وآل بيته وغيرهم من المصطفين الأخيار.

ولله در الحافظ ابن كثير عندما قال: (فكل مسلم ينبغي أن يحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً وشجاعاً وسخياً، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنع ورياء، وقد كان أبوه أفضل منه فقتل، وهم لا يتخذون مقتله مأتماً كيوم قتل الحسين، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصور في داره أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي16، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق كان أفضل منه، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه، كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتماً يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين، ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة، مثل كسوف الشمس، والحمرة التي تطلع في السماء، وغير ذلك).17

ما يقوم به الشيعة في يوم عاشوراء ليس له سبب ولا مبرر إلا عقدة الذنب من خذلانهم للحسين بعد أن أغروه بالخروج إليهم ومنوه بالنصر، فارتدوا على أعقابهم خاذلين ومقاتلين له، ومانعين له من الماء.

ã

أول من أسرف في هذه البدعة

على من ابتدع ذلك أولاً، ومن أسرف فيها ثانياً، ومن قلدهم في ذلك من الله ما يستحقون، هذا بجانب الوزر الذي حازه أول من ابتدعها وأسرف فيها، حيث لا ينقص ذلك من أوزار متبعيهم شيئاً إلى يوم القيامة.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه – الشيعة – في حدود الأربعمائة وما حولها، فكانت الدبادب18 تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويُذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتعلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين لأنه قتل عطشاناً.

ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق، إلى غير ذلك من البدع الشنيعة، والأهواء الفظيعة، والهتائك المخترعة، وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا بدولة بني أمية لأنه قتل في دولتهم).

لقد أكرم الله الحسين وآل بيته بالشهادة، وهو الآن في أعلى الجنان بشهادة جده له وللحسن رضي الله عنهما بأنهما سيدا شباب أهل الجنة في الجنة.

وهو في غنى عن هذا الخبل، والهبل، والحزن، والبكاء، والنحيب الذي يصنعه هؤلاء، الذي إن دل على شيء يدل على خبل العقول وضعفها، ولا يعبر عن محبة الحسين ولا آل البيت، فحب آل البيت من الإيمان، وقد أوجبه الله هو وصنوه حب الأصحاب على العباد.

لا نملك إلا أن نقول في نهاية المطاف: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به هؤلاء القوم، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، وصلى الله وسلم على الرسول الخاتم، وعلى آله، وصحابته، والتابعين لهم، ونعوذ بالله من فعل أهل النار.

كن أول من يقيم الموضوع
12345