الحمد لله الذي أمرنا بطاعته، ونهانا عن معصيته ومخالفته، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وأصحابه، أما بعد:

نحن على مشارف قرن جديد، ولا يزال للإسلام قوة وأتباع، ولا يزال في الأمة رجال يؤرقهم همّ الإسلام، يحملون قضيته، ويحفظون حدوده، ويذودن عن حياضه.

وهذا ما دعا أعداء الإسلام لأن يزيدوا من حملتهم ضد الإسلام ويضاعفوا من خططهم ومؤامراتهم، لإضلال المسلمين وإفسادهم وإخراجهم من دينهم، وجعلهم دُمى يحركونها كيفما أرادوا، قال تعالى: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا و من يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة:217].

حرب الفضائيات


إن أخطر ما يواجه به المسلمون اليوم ذلك الغزو الوافد إلينا عن طريق القنوات التلفزيونية الفضائية.

إنه غزو جديد.. لا تشارك فيه الطائرات ولا الدبابات.. ولا القنابل والمدرعات.. غزو ليس له في صفوف الأعداء خسائر تُذكر.. فخسائره في صفوفنا نحن المسلمين.. إنه غزو الشهوات.. غزو الكأس والمخدرات.. غزو المرأة الفاتنة.. والرقصة الماجنة.. والشذوذ والفساد.. غزو الأفلام والمسلسلات.. والأغاني والرقصات.. وإهدار الأعمار بتضييع الأوقات. إنه غزو لعقيدة المسلمين في إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وأمور الغيب التي وردت في كتاب الله وصحت عن نبينا محمد .

إنه غزو لمفهوم الولاء والبراء، والأخوة الإسلامية، والاهتمام بقضايا الإسلام والمسلمين المتمثل في مبدأ الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تدعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.


فأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ *** أعددت ذاك الحِمى من بعض أوطاني


إن هذا الغزو القادم إلينا من الفضاء يفعل ما لا تفعله الطائرات ولا الدبابات ولا الجيوش الجرارة.

إنه يهدم العقائد الصحيحة.. والأخلاق الكريمة.. والعادات الحسنة.. والشمائل الطيبة.. والشيم الحميدة.. والخصال الجميلة. ومتى تخلت الأمة عن عقيدتها وأخلاقها وقيمها سقطت في بؤر الضياع والانحلال.


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا


احذر مخططات الأعداء


أخي صاحب الدش:

هل تعلم ما قاله صموئيل زويمر رئيس جمعيات التنصير؟ لقد قال في مؤتمر القدس للمنصرين الذي عقد في القدس عام 1935م:

إنكم إذا أعددتم نشأً لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام وجعلتموه لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى تصبح الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوّأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، إنه يجود بكل شئ للوصول الى الشهوات !

أيها المبشرون ! إن مهمتكم تتم على أكمل الوجوه !!


أخي صاحب الدش:

هذا ما قالوه منذ ما يزيد على ستين عاماً، ولا يزالون يعملون دون كلل أو ملل، لأنهم يرون ثمار مخططاتهم الخبيثة تزداد يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، حتى ظهرت هذه الفضائيات التي استطاعوا من خلالها – وفي أعوام يسيرة – تحقيق ما لم يستطيعوه في قرون طويلة !

لقد استطاعوا من خلالها اقتحام ديارنا و بيوتنا.. وحتى غرف نومنا.. بلا مقاومة منا ولا غضب، ولا محاولة لمنعهم من ذلك.. بل بموافقة منا ورضا وترحيب !!

فلماذا ترضى لنفسك يا أخي أن تكون ممن يساعدون الأعداء و ينفذون مخططاتهم الرامية الى ضرب الأمة في عقيدتها وأخلاقها وعزتها ومجدها؟!

لماذا تقبل بالانهزام النفسي ودناءة الفكر والتصور والهدف والغاية؟!

راجع نفسك ثم أجب !

قصة وعبرة


قال محدثي: في ذات يوم حضر أحد زملائي في العمل كئيبا حزينا غاضبا ضجرا، وكأنه قد حدثت له مصيبة، فأحببت أن أخفف عنه، فسألته عن سبب حزنه وكآبته، فلم يرد علي.. فلما ألححت عليه بالسؤال قال لي: لقد ماتت.. ماتت.

فظننت أنها إحدى قريباته وقلت له: إني لله وإنا له راجعون، يا أخي اصبر واحتسب ولا تجزع حتى يأجرك الله على ذلك. ثم قلت له هل كانت مريضة؟

فأجابني: لا لم تكن مريضة ولكنها قُتلت !!

فصرخت في وجهه: كيف ذلك؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول ولا قوة إلا بالله فلما رأى شدة انفعالي هدّأ من روعي وقال لي: لا عليك فهي لا تمت لي بصلة.. إنها بطلة المسلسل الأجنبي الذي أشاهده كل ليلة.. لقد كانت مصدر متعتنا وسعادتنا كل ليلة !! بما تبديه من مفاتن. وما تقوم به من حركات وإثارة.. تصور أنها لا تظهر إلا بالشورت أو المايوه أو.. فتغير وجهي حياء وقاطعته قائلا: يا أخي اتق الله ! أما عندك دين؟ أما عندك حياء؟ أما عندك مروءة؟ كيف تجرؤ على هذا الكلام؟ أما تخشى الله؟ ألست مسلما؟ ثم تركته وذهبت !

انتهت القصة عند هذا الحد، وهي تحمل في طيّاتها دلالات متعددة، لابد أن نقف عندها ونتأملها، ونستفيد منها في تحذير إخواننا من هذا الخطر الداهم المتمثل فيما يبث عن طريق القنوات الفضائية وغيرها.

أولاً: المؤمن لا يفرح بالمعاصي:

وهذا من أهم الأمور التي يجب معرفتها، وهو التفريق بين المعصية و الفرح بها، فالمؤمن قد يعصي ربّه، ولكنه لا يفرح بالمعصية ولا يفاخر بها، وكذلك لا يصر عليها، بل يندم على فعلها.

قال الإمام ابن الجوزي: " لا ينال لذة المعاصي إلا سكران الغفلة، فأما المؤمن فإنه لا يلتذ، لأنه عند التذاذه يقف علم التحريم وحذر العقوبة، فإن قويت معرفته، رأى بعين علمه قرب الناهي، فيتنغص عيشه في حال التذاذه، فأن غلب سكر الهوى كان القلب متنغصا بهذه المراقبات، وإن كان الطبع في شهوته. وما هي إلا لحظة ثم ندم ملازم، وبكاء متواصل، وأسف على ما كان مع طول الزمان، حتى لو تيقن العفو، وقف بإزائِه حذر العتاب. فأفّ للذنوب ! ما أقبح آثارها.. وما أسوأ أخبارها ولا كانت شهوة لا تُنال إلا بمقدار قوة الغفلة !".

فانظر أخي المسلم في هذا الكلام، ثم احكم بنفسك على هذا الرجل الذي ما كفاه عصيانه كل ليلة برؤية النساء العاريات، وفرحه بذلك، وحزنه على فوات تلك المعصية، حتى راح يجاهر بها ويتأسف عليها ! وهذا دليل على موت قلبه، واستحكام مرض الشهوة من نفسه.


ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأحياء


ثانياً: أثر الغفلة واتباع الهوى في موت القلب:

يا صاحب الدش:

أيها العاكف على صنم المرئيات والفضائيات، متنقلاً بجهازك الصغير من بلد الى أخرى، ومن قناة الى قناة، باحثاً عن المتعة الشهوانية، واللذة البهيمية، والسعادة الزائفة، ومن أفلام هابطة ومسلسلات ساقطة، وخمر، وقمار، وعري، ومجون، وجريمة، ومخدرات، وعقائد فاسدة، ووثنية بائدة، وجاهلية حاقدة !

أليس هذه غفلة عن الله وذكره وعبادته؟ وعن الموت وسكرته؟ وعن القبر وظلمته؟ وعن الحساب وشدته؟

أليس هذا تفريطاً فيما ينفعك، واهتماما بما يضرك في العاجل والآجل؟

أليس هذا اتباعا للهوى وانقيادا للشهوة؟

أفق أيها الرجل قبل أن تقول: رب ارجعون ، فيقال لك: كلا .


من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام


قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً [مريم:59].

قال الإمام ابن القيم: "الغفلة عن الله و الدار الآخرة متى تزوجت باتباع الهوى، تولد ما بينهما كل شر. وكثيرا ما يقترن أحدهما بالآخر، ولا يفارقه. ومن تأمل فساد أحوال العالم عموما و خصوصا وجده ناشئا عن هذين الأصلين".

فيا أخي !

إذا كان هذا الصحن المسمى ( دشاً ) يجمع بين هذين الأصلين: الغفلة واتباع الهوى، فكيف ترضى لنفسك هذه المعصية التي جمعت بين شيئين تولد منهما كل شر، ونشأ عنهما فساد العالم بأسره؟


يا من جلبت الدش رفقا إنما *** أفسدت ما في البيت من غلمان
خنت الأمانة في الشباب وفي النسا *** وجعلت بيتك منتدى الشيطان
خنت الأمانة في البنات ولن ترى *** منهن برّا إنهن عواني
ترضى لنفسك أن تكون مفرطا *** في الدين والأخلاق والإيمان
ترضى لنفسك أن تكون مزعزعا *** لقواعد الإسلام والإيمان
ترضى لنفسك أن تكون مروّجا *** لبضاعة الكفران و الخسران
أفسدت ما في البيت من أخلاقه *** أذهبت ما في البيت من إحسان
أدخلت في البيت الضلال مع الخنا *** والفسق بعد تلاوة القرآن


أيها الرجل

ماذا أعددت لقدومك على ربك؟

ما هو زادك الذي تزوّدته في سفرك الى الله والدار الآخرة؟

أيقدم الناس على ربهم بالحسنات و الأعمال الصالحات، وتقدم أنت بالأغاني والأفلام والمسلسلات؟

هل هذا هو نصيبك من الدنيا؟

هل هذه بضاعتك للآخرة؟

قال : { يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان و يبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله } [متفق عليه].

ثالثاً: اكسر صنم قلبك أولاً:

قال الإمام ابن القيم: "إن التوحيد واتباع الهوى متضادان، فإن الهوى صنم ولكل عبد صنم في قلبه بحسب هواه، وإنما بعث الله رسله بكسر الأصنام وعبادته وحده لا شريك له، وليس مراد الله سبحانه كسر الأصنام المجسدة وترك الأصنام التي في القلب، بل المراد كسرها من القلب أولاً".

فيا صاحب الدش !

لن يسلم إيمانك إلا بتكسر صنم الهوى والشهوة في قلبك.. ولن يكون ذلك إلا بإبعاد هذا الطبق الذي فوق سطح بيتك..
اصعد الآن.. خذ معول العزم.. واضرب به هذا الصنم.. ليسلم لك توحيدك.. وتصح توبتك.. وتصلح عبوديتك.. قال النبي : { حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات } [متفق عليه].

وقال أبو علي الدقاق: "من ملك شهوته في حال شبيبته، أعزه الله تعالى في حال كهولته".

ألا تريد أن يحفظك الله حال كهولتك و شيخوختك؟

احفظ الله يحفظك.. احفظ الله يحفظ زوجتك وأبناءك.. احفظ الله يحفظ مجتمعك وأمتك.

فيا أخي !

كن رجلاً في قرارك.. حراً في إرادتك.. قوياً في عزمك.. ألا تريد أن تنفي عن نفسك رق العبودية لغير الله؟ وذل الشهوة وأسر الهوى؟! فتفكر فيما خُلقت له.. وانظر في مآل اتباع الشهوات وعواقبها !


قد هيأوك لمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك ان ترعى مع الهمل


أين أنت؟

أخي صاحب الدش !

أين أنت من قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون [النور:30].

أين أنت من قوله تعالى: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور [غافر:19].

أين أنت من قوله تعالى: يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة [التحريم:6].

أين أنت من قوله تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً [الإسراء:36].

أين أنت من قوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [المؤمنون:5-7].

أين أنت من قوله : {.... فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } [رواه مسلم].

أين أنت من قوله : { ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء } [متفق عليه].

أين أنت من قوله : { العينان تزنيان وزناهما النظر } [متفق عليه].

أين أنت من قوله : { أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني } [متفق عليه].

أخي الكريم:


إذا ما خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية الى طغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني


حصاد القنوات


1- العقائد الباطلة:

عرضت إحدى القنوات الفضائية فيلماً هندياً من مشاهده أن ثعباناً لدغ طفلة، فأسرع أخوها الى صنم وأخذ يدعوه ويستغيث به كي يشفيها، فلما عاد إليها وجدها قد شفيت، فرجع الى الصنم وقال له: سأظل أصلي لك، وشكراً على ما فعلت لأختي.

وهذا المشهد يحتوي على:

1- الكفر بالله. 2- دعاء غير الله. 3- الدعوة الى عبادة الأصنام. 4- الاعتقاد بأن لغير الله تصرفاً في الكون. 5- وأقل ما يقع فيه من المشاهد لمثل هذا هو عدم إنكار المنكر ولو بقلبه، وذلك لغفلته الشديدة عن دين الله تعالى.

2- الجنس:

قال الدكتور بلومر: "إن الأفلام التجارية التي تنتشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في معظم موضوعاتها، كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن الأمور الجنسية الضارة من الأفلام، وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب والمغازلة والإثارة الجنسية، يتعلمها الشباب من خلال السينما و التلفزيون" [بصمات على ولدي].

وتقول إحدى الفتيات في سن الثامنة عشرة: "إني أفكر بالانتحار في كل دقيقة، بل في كل ثانية، لأنه لا تمضي ساعة واحدة دون أن أشعر بالعاطفة الجنسية الجامحة تخترق أحشائي كما يخترق الرصاص جسم الإنسان ويقتله !! وكلما شاهدت فيلماً عاطفياً أو قرأت قصة غرامية تثور عاطفتي و غرائزي" [العفة ومنهج الاستعفاف].

3- الجريمة:

قال الدكتور سبوك: "هناك عدد من رجال القضاء و المحللين النفسيين يؤكدون أنه عندما يتم سؤال أحد الشباب المنحرف عن فكرة الجريمة لديه، فإن الإجابة تكون من رواية بوليسية، أو من برنامج في التلفزيون،أو من فيلم سينما" [أبناؤنا بين وسائل الإعلام و أخلاق الإسلام].

4- الجهل:

قالت مارغريت سميث: "إن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها، والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة، إن أكثر من 60% من الطالبات سقطن في الامتحانات، وتعود أسباب الفشل الى أنهن يفكّرن في الجنس أكثر من دروسهن وحتى مستقبلهن، وأن 10% منهن فقط مازلن محافظات" [صون المكرمات].

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كن أول من يقيم الموضوع
12345