تعريف الحق لغة واصطلاحاً :
الحق لغة نقيض الباطل، وجمعه حقوق وحِقاق .
وحَقَّ الأمر يَحِقُّ ويَحُقُّ حقاً وحقوقاً: صار حقاً وثبت؛ قال الأزهري : " معناه وجب يجب وجوباً " .
وفي التنزيل: { قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ } أي ثبت .
{ وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } . أي وجبت وثبتت .
وحَقَّه يَحُقُّه حقاً وأحقه، كلاهما: أثبته وصار عنده حقّاً لا يشكُّ فيه .
وفي القاموس المحيط : " الحقّ: من أسماء الله الحسنى ، وهو ضدّ الباطل ، والشيء أوجبه . والأمر يَحُقُّ ويَحِقُّ حَقَّة ، بالفتح : وجب ووقع بلا شك .
وحَقٌّ : جديرٌ .
المبحث الثاني: حقوق الزوج على زوجته

اجتماع الرجل والمرأة في أسرة على وجه شرعي، يُعْتَبر طريقة لإعمار الأرض، هذه الطريقة التي تقوم على أساس التعاقد بينهما فيما يُسمَّى بعقد الزواج، الذي يجعل المرأة حلالاً للرجل، ويجعل الرجل حلالاً للمرأة، والتعاقد هذا يستلزم حقوقاً وواجبات لكل من طرفي العقد، حيث يلتزم كل فريق بما عليه تجاه الطرف الآخر، ولا يعتدي أي منهما على ما أقرّه العقد للطرف الآخر، فلكل منهما حقوق، وعلى كل منهما واجبات تنظم العلاقات الأسرية، وتضع لها ضوابط حتى لا تنفلت وتتحول الأسرة إلى جحيم، وهنا سنقف أولاً على حقوق الزوج على زوجته، ومن ثم حقوق الزوجة على زوجها، وبعدها نذكر الحقوق المشتركة بينهما .


المطلب الأول : حق الطاعة
الأسرة مجتمع صغير له هيكلية معينة رأسها الرجل وقاعدتها المرأة والأطفال، وأي مجتمع لا يمكن أن يصلح إذا لم يكن فيه رئيس ومرؤوس، لأن الفوضى ستكون عندها السمة البارزة لهكذا مجتمع، كما وأن وجود أكثر من رأس ومدبّر يعني الاختلاف والضياع، وقد أقّر ربنا هذا المبدأ من خلال حديثه عن السموات والأرض أو بمعنى آخر عن المجتمع الكبير فقال تعالى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }، وكذلك الأسرة – المجتمع الصغير – ينبغي أن يكون فيها مدبّر واحد، ورئيس واحد، يدير شؤونها، ويتحمل المسؤولية تجاهها، وهذا المدبّر أو الرئيس هو الرجل الذي أعطاه الله هذه الصفة لخصائص توفرت فيه، وتوافقت مع طبيعة الدور والمهمة الملقاة على عاتقه فقال تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } ، وبذلك أصبح الرجل رأس الهرم في هيكلية الأسرة، والمسؤول الأول فيها، والمسؤولية هذه تعني طاعة الأسرة له، واحترامها لإرادته وقراراته، والمرأة هي الطليعة الأولى بعد الرجل في هذه الأسرة، لذا كان عليها أن تطيع الرجل، وأن لا تنازعه في صلاحية أُعطيت له لمصلحة الأسرة جميعاً،

وقد شدّد الرسول على هذا الأمـر عنـدما اعتبر أن المرأة لا تـؤدي النوافل إلاّ بإذن زوجها، طاعة له، فقال : ( لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوماً من غير شهر رمضان إلاّ بإذنه ) ، كما اعتبر: أن السجود لو أنه جاز لغير الله لأمر المرأة أن تسجد لزوجها طاعة له، فعن عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ما هذا يا معاذ. قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفهم وبطارقهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فلا تفعلوا فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قَتبٍ لم تمنعه ) .
وعندما سئل صلى الله عليه وسلم عن خير النساء. قال: ( التي تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه فيما يكره في نفسه ولا في ماله .
إذاً من حق الزوج على زوجته الطاعة، وعدم المعصية، وفي ذلك الخير الكثير والأجر الكبير للزوجة، لأن من شأن ذلك ان يساعد على استقرار الأسرة وبالتالي المجتمع، ولكن الطاعة هذه ليست طاعة مطلقة، بمعنى عدم وجود ضوابط لها تقيدها، وتجعلها، خاضعة لمنطق الشرع الحنيف، وتسلب حرية المرأة، وقد ضمن الإسلام لكل بني البشر حريتهم، بل الطاعة طاعة مقيدة ضمن حدود وضوابط ولعل أهمها وأبرزها طاعة الله عز وجل إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلو أمرها بمعصية فلا تطيعه وتعصي الله تعالى، بل تطيع الله تعالى في ذلك لما روي عن عائشة أن امرأة من الأنصار زوّجت ابنتها فتمعّط شعر رأسها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقالت: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها فقال: ( لا .. إنه قد لعن الموصلات ) ،

كما وأن الطاعة ينبغي أن تكون ضمن حدود الإمكانات المتاحة، لا أن تكون تعجيزات يقصد من خلالها الإضرار، وقديماً قيل: "إذا أردت أن تطاع فمر بالمستطاع"، وفي ذلك جاء قول الله تعالى في القرآن الكريم: { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَّ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } .
المطلب الثاني : نشوز الزوجة
النَشْز: المرتفع من الأرض، والنشوز بين الزوجين، كراهة كل واحد منهما صاحبه وإمرأة ناشز: أي ارتفعت على زوجها واستعصت عليه وأبغضته وخرجت عن طاعته .
ويكون النشوز بين الزوجين. فقد قال تعالى: { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } ، وذلك عندما تستعصي المرأة على زوجها وتخرج عن طاعته، وقال أيضاً: { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }، وذلك عندما يكون النشوز من الزوج وهو بمعنى الاستعلاء بنفسه عنها إلى غيرها آَثَرَة عليها، وارتفاعاً بها عنها إما لبغضة وإما لكراهة منه بعض أشياء بها .

وفي الحالة الأولى عند نشوز المرأة، للرجل الحق في اعتماد طريقة في تقويم هذا النشوز، تتدرج من الوعظ إلى الهجر ومن ثم الضرب وذلك مصداقاً للآية الآنفة الذكر، التي تحدثت عن كيفية علاج النشوز، فبدأت مع الوعظ والإرشاد بالتي هي أحسن، لأن الوعظ ذكر في القرآن ملازماً للحكمة والحسن فقال تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }. كما وأن الوعظ يجب أن يكون عبر طريقة تؤلف القلوب، وتستعمل كل ما من شأنه الإصلاح، من كلمات وعبارات، وتصرفات وغيرها. قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } .

وأمّا إذا لم ينفع الوعظ والإرشاد والنصح في معالجة نشوز المرأة، فللرجل أن ينتقل عند ذلك إلى الوسيلة الثانية وهي الهجر في المضاجع، وذلك بعزل فراشه عن فراشها وترك معاشرتها ، وعن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: " الهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويُوليها ظهره ولا يجامعها " والقصد من ذلك كما قال الإمام القرطبي: " إن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت محبة للزوج فذلك يشق عليها فترجع للصلاح، وإن كانت مبغضة فيظهر النشوز منها، فيتبين النشوز من قبلها " .

وأمّا إذا لم تنفع الوسيلة هذه في الردع والإصلاح، فهناك الوسيلة الثالثة، ألا وهي الضرب غير المبرّح وهو ضرب الأدب، الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة، لأن المقصود منه الصلاح ويكون ذلك كما قال ابن عباس عندما سأله عطاء: قال: " بالسواك ونحوه " وهو الضرب الذي يؤلم ولا يؤثر. وقد بيّن رسول الله أن الضرب ينبغي أن لا يتناول الوجه وأن الهجر يجب أن لا يكون خارج البيت فقال صلى الله عليه وسلم عندما سُئِلَ عن حق زوجة أحدنا عليه قال: ( يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه ولا يقبّح ولا يهجر إلاّ في البيت ) .
وحال كون الوسيلة الثالثة لم تفلح في تغيير نشوز المرأة إلى طاعة ومحبة، فهناك الوسيلة الرابعة وهي أن يكون حَكَم من أهله وحَكم من أهلها يحاولان إصلاح الأمور وإعادة الحياة إلى سابق عهدها، ويبذلان ما يستطيعان للوصول إلى هذه الغاية قال تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } وأما في حال الفشل في هذه المحاولة، فلا يعود هناك من وسيلة سوى الطلاق وهو أبغض الحلال إلى الله كما ورد .

المطلب الثالث : حفظ الزوج في ماله

حفظ مال الزوج حق أساسي من حقوقه على زوجته، إذ انه يترك لها أمر إدارة مالية الأسرة في الصرف والإنفاق، وعليه تأمين احتياجات الأسرة في الميادين المتعلقة بالمأكل والملبس وغيرها من احتياجات الحياة، وعليه، فهي مسئولة أمامه عن صرف الأموال المكتسبة في أوجه الحلال، وفي النواحي التي تتطلبها الأسرة، دونما تبذير أو صرف في غير وجه حق، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عمر قال: ( ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عن رعيته والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته )، وأما إذا كان الرجل مقتراً شحيحاً فللزوجة عند ذلك أن تصرف على الأسرة، ما يكفيها بالمعروف، حتى كان ذلك مما لا يرضى عنه الزوج، فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليَّ جناح أن آخذ من ماله سراً ؟ " قال: ( خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف )، ولكن يبقى حقُّه عليها أن تحفظه في ماله فلا تضيّع هذا المال في الأوجه التي لا تفيد، خصوصاً وأن الإنسان يوم القيامة يحاسب على ماله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه ) .

المطلب الرابع: حفظ الزوج في عرضه
وحفظ العرض أهم من حفظ المال، لما للعرض والشرف عند العرب من مكانه وقداسة، وقد صانها وحفظها الإسلام، فجعل من حق الزوج على زوجته، أن تحفظه في غيابه وأن لا تُدْخِل إلى بيته من لا يرغب، وأن لا تُجْلِس على فراشه أيضاً من لا يرغب، وأن تصون شرفه وعرضه حتى لا يُطْعَن في هذا الشرف والعرض، وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خير النساء ( التي تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه فيما يكره في نفسها ولا في ماله )، كما وأنه شدد على مبدأ حفظ العرض فقال في خطبة الوداع: ( أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقاً، ولهنّ عليكم حقاً، لكم عليهن أن لا يُوطئّن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبيّنة )، كما وأنه اعتبر من المحافظة على العرض، عدم وضع الثياب في غير بيت الزوج، فقد روى عن أبي مليح الهذلي أن نساء من أهل حمص أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت: "أنتن اللاتي يدخلن نساؤكن الحمامات"، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلاّ هتكت الستر بينها وبين ربها ) .


ومبالغة في الحفاظ على العرض حذَّر صلى الله عليه وسلم) من الدخول على النساء إلاّ إذا كنَّ محرمات، وخصوصاً تلك التي غاب عنها زوجها، وحتى إن كان الداخل قريباً فقد روي عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار، يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ ، قال: ( الحمو الموت )

عدد المقيّمين 1 وإجمالي التقييمات 5
12345