• الفقه
  • 3989
  • 6-8-2008
  • الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان الا على الظالمين ،،،
    والصلاة والسلام على خاتم النبيين وامام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجميعن وبعد :

    فعن النعمان بن البشير رضى الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما مشتبهات ، لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى ؛ يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب .) متفق عليه


    هذا الحديث اصل فى الورع وترك الشبهات
    قال الحافظ ابن رجب : " معناه ان الحلال المحض بين لا اشتباه فيه ، وكذلك الحرام المحض ، ولكن بين الامرين امور تشتبه على كثير من الناس ، هل هى من الحلال ام من الحرام . واما الراسخون فى العلم فلا يشتبه عليهم ذلك ، ويعلمون من اى القسمين هى "

    " وقد فسر الامام احمد الشبهة بانها منزلة بين الحلال والحرام ، يعنى الحلال المحض والحرام المحض ، وقال : من اتقاها فقد استبرأ لدينه ، وفسرها تارة باختلاط الحلال والحرام "

    والناس بالنسبة للشبهة اربعة اصناف :

    الاول : العالم بحكمها هل هى من الحلال ام من الحرام ، فهو يعمل بمقتضى علمه وهذا خير الاصناف .
    الثانى : من لا يعلم بحكمها ، فيتوقف فيها لاشتباهها عليه ، فهذا قد استبرأ لدينه وعرضه .
    الثالث : من لا يعلم حكمها ومع ذلك يقع فيها مع كونها مشتبهة عنده ، فهذا يوشك ان يقع فى الحرام .
    الرابع : من يقع فيها مع عمله بانها من جنس الحرام المحض فهذا شر الاصناف .

    وهناك قسم خامس يترك الشىء الذى يعتقد انه حلال مما يظنه الناس شبهة استبراء لعرضه ، وهذا يلحق بالصنف الاول الذى هو خير الاصناف .

    قال ابن رجب : " فاما من اتى شيئا مما يظنه الناس شبهة لعلمه بانه حلال فى نفس الامر ، فلا حرج عليه من الله فى ذلك ، لكن اذا خشى من طعن الناس عليه بذلك ، كان تركها حينئذ استبراء لعرضه ، فيكون حسنا ، وهذا كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لمن رآه واقفا مع صفية : ( انها صفية بنت حيى ) متفق عليه .


    تعريف الورع
    قال ابراهيم بن ادهم : الورع ترك كل شبهة ، وترك ما لايعنيك ، هو ترك الفضلات.

    قال يحيى بن معاذ : الورع : الوقوف على حد العلم من غير تاويل .

    قال ابو سليمان الدارانى : الورع اول الزهد ، كما ان القناعة اول الرضا .

    قال يونس بن عبيد : الورع الخروج من كل شبهة ، ومحاسبة النفس فى كل طرفة .

    وقيل : الورع : الخروج عن الشهوات وترك السيئات



    اهمية الورع



    قال الامام ابن القيم فى "المدارج " : والمقصود ان الورع يطهر دنس القلب ونجاسته ، كما يطهر الماء دنس الثوب ونجاسته ...



    الورع فى كلمة واحدة


    وقد جمع النبى صلى الله عليه وسلم الورع كله فى كلمة واحدة فقال : ( من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) صحيح الجامع الصغير
    فهذا يعم الترك لما لا يعنى من الكلام والنظر والاستماع والبطش والمشى والفكر ، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة ، فهذه الكلمات شافية فى الورع .



    ثمرات الورع


    * قول ابى عثمان الحيرى : ثواب الورع خفة الحساب

    * قول الحسن : مثقال ذرة من الورع خير من الف مثقال من الصوم والصلاة

    * الفوز بالجنة والقرب من الله تعالى :
    قال ابو هريرة رضى الله عنه : جلساء الله غذا اهل الورع والزهد .
    ورؤى سفيان الثورى فى المنام وله جناحان يطير بهما فى الجن . فقيل له : بم نلت هذا ؟ قال : بالورع .

    * محاسبة النفس والندم على ما فات
    قال ابو عثمان الحيرى : اذنبت ذنبا ً ابكى عليه منذ اربعين سنة ، وذلك انه زارنى اخ لى ، فاشتريت بدانق – سدس درهم – سمكة مشوية ، فلما فرغ اخذت قطعة طين من جدار جار لى حتى غسل بها يده ولم استحله .

    وقيل : رجع ابن المبارك من مرو الى الشام بسبب قلم استعاره فلم يعده الى صاحبه ، فرجع لذلك .

    * ترك ما لا بأس به حرا ً مما به بأس .
    وفى الحديث عن عطية السعدى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا ً لما به بأس " حديث حسن رواه الترمذى وابن ماجة

    وقال بعض الصحابة : كنا ندع سبعين بابا ً من الحلال مخافة ان نقع فى باب من الحرام



    سهولة الورع وشدته


    قال سفيان الثورى : ما رايت اسهل من الورع : ما حاك فى نفسك فاتركه

    ووقف حسان بن ابى سنان على اصحاب الحسن فقال : اى شىء اشد عليكم ؟ قالوا : الورع . قال : ولا شىء اخف على منه .

    وقال بشر بن الحارث : اشد الاعمال ثلاثة : الجود فى القلة ، والورع فى الخلوة ، وكلمة الحق عند من يخاف ويرجى .


    احاديث فى الورع وفضائله

    1- عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " فضل العلم خير من فضل العبادة ، وخير دينكم الورع " رواه الطبرانى وحسنه المنذرى وصححه الالبانى لغيره

    2- وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " كن ورعا ً تكن اعبد الناس ، وكن قنعا تكن اشكر الناس ، واحب الناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا ، واحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما ً ، واقل الضحك ، فان كثرة الضحك تميت القلب . " رواه ابن ماجة وصححه الالبانى لغيره

    3- وعن ابى امامة رضى الله عنه قال : سأل رجل النبى صلى الله عليه وسلم :
    ما الاثم ؟ قال : " اذا حاك فى نفسك شىء فدعه " رواه احمد وصححه المنذرى والالبانى

    4- وعن انس رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه وسلم وجد تمرة فى الطريق فقال : " لولا انى اخاف ان تكون من الصدقة لاكلتها " متفق عليه

    5- وعن الحسن بن على رضى الله عنهما قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دع ما يربيك الى ما لا يريبك " رواه الترمذى والنسائى وصححه الالبانى


    درجات الورع كما جاء فى مختصر منهاج القاصدين

    الدرجة الاولى : وهى درجة العدول عن كل ما تقتضى الفتوى تحريمه .

    الدرجة الثانية : الورع عن كل شبهة لا يجب اجتنابها ولكن يستحب

    الدرجة الثالثة : الورع عن بعض الحلال مخافة الوقوع فى الحرام

    الدرجة الرابعة : الورع عن كل ما ليس لله تعالى ، وهو ورع الصديقين

    مثال ذلك ما ورى عن يحيى بن يحيى النيسابورى انه شرب دواء ً فقالت له امرأته : لو مشيت فى الدار قليلا ً حتى يعمل الدواء . فقال : هذه مشية لا اعرفها ، وانا احاسب نفسى منذ ثلاثين سنة .

    فهذا رجل لا تحضره نية فى هذه المشية تتعلق فى الدين فلم يقدم عليها ، فهذا من دقائق الورع ...


    من اخبار الورعين


    الصديق


    كان لابى بكر الصديق رضى الله عنه غلام يخرج له الخراج ، وكان ابو بكر ياكل من خراجه ، فجاءه يوما بشىء ، فاكل منه ابو بكر . فقال له الغلام : اتدرى ما هذا ؟ فقال ابو بكر : وما هو ؟ قال : كنت تكهنت لانسان فى الجاهلية ، وما احسن الكهانة ، الا اننى خدعته ، فلقينى ، فاعطانى لذلك هذا الذى اكلت منه ! فادخل ابو بكر يده ، فقاء كل شىء فى بطنه " رواه البخارى


    الفاروق
    قدم على الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه مسك وعنبر من البحرين ، فقال عمر : والله إنى لوددت أنى وجدت امراة حسنة الوزن ، تزن لى هذا الطيب ، حتى اقسمه بين المسلمين ، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد : انا جيدة الوزن ، فهلمً أزن لك . فقال عمر : لا . قالت : لم ؟ قال : انى اخشى ان تأخذيه فتجعله هكذا ، ثم ادخل اصابعه فى صدغيه ، وتمسحى به عنقك ، فاصيب فضلا ًعلى المسلمين .


    ابن سيرين
    كان ابن سيرين اذا دعى الى وليمة او الى عرس يدخل منزله يقول : اسقونى شربة سويق . فيقال له : يا ابا بكر ! انك ذاهب الى الوليمة وتشرب سويقا ً ؟ فيقول : انى اكره ان اجعل حر جوعى على طعام الناس .


    ابن مبارك
    سيَب ابن المبارك دابة عالية القيمة ، وصلى صلاة الظهر ، فرتعت الدابة فى زرع قرية سلطانية ، فترك ابن مبارك الدابة ولم يركبها .


    الحجاج بن دينار
    كان الحجاج بن دينار قد بعث طعاما ً الى البصرة مع رجل ، وامره ان يبيعه يوم يدخل بسعر يومه ، فاتاه كتابه : انى قدمت البصرة ، فوجدت الطعام منقصا ً ، فحبسته فزاد ثمنه ، فازددت فيه كذا كذا . فكتب اليه الحجاج بن دينار : انك قد خنتنا ، وعملت بخلاف ما امرناك به ، فاذا اتاك كتابى فتصدق بجميع ذلك الثمن على فقراء البصرة ، فليتنى اسلم اذا فعلت ذلك ..

    احمد بن حنبل
    رهن احمد بن حنبل رضى الله عنه سطلا ً له عند بقال بمكة المكرمة – حرسها الله – فلما اراد فكاكه اخرج البقال اليه سطلين . وقال : خذ ايهما لك . فقال احمد : اشكل على سطلى ، فهو لك والدراهم لك . فقال البقال : سطلك هذا ، وانا اردت ان اختبرك . فقال : لا آخذ ومضى ، وترك السطل تورعا ً

    كن أول من يقيم الموضوع
    12345