يشق عليه القيام للصلوات نظراً لظروف عمله وثقَل نومه
الحمد لله أولاً : كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعملون الأعمال الشاقة كالزراعة والرعي وجمع الحطب ونحو ذلك ولم يكونوا من المفرطين في صلاتهم ، بل كانوا محافظين عليها ليس في وقتها وحسب بل وفي جماعة ، وحافظوا على العبادة وطلب العلم ، ولم تأت الرخصة لهم في ترك الصلاة من أجل العمل . ولذلك فالواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها . وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى ، فقال : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) النور/37-38 . ثانياً : والنائم معذور وقت نومه ، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ) رواه البخاري ( 572 ) ومسلم ( 684 ) . قال الشوكاني رحمه الله : " الحديث يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع ... وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل : إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما , والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك " انتهى . " نيل الأوطار " ( 2 / 33 ، 34 ) . ثالثاً : والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة ، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها ، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) ، وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره . فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم : لو عَرَّست بنا يا رسول الله ( أي : نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح ) ، قال : أخاف أن تناموا عن الصلاة ، قال بلال : أنا أوقظكم ، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس ، فقال : يا بلال أين ما قلت ؟ قال : ما ألقيت علي نومة مثلها قط ، قال : إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء ، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة ، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى . رواه البخاري ( 570 ) ومسلم ( 681 ) وعنده : ( احفظوا علينا صلاتنا ) . فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم ، إلا أنه غلبته عيناه ، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين ، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه ليس في القوم تفريط ) . وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت : فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً ، وهو غير معذور بنومه . وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه ؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت ؟ فأجاب : " أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم ، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر : قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه . لكن قد يقول : إنني أنام ، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) . فنقول : إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً ، أو يجعل عنده ساعة تنبهه ، أو يوصي من ينبهه : فإن تأخيره الصلاة ، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها ، فلا تقبل منه " انتهى . " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / السؤال رقم 14 ) . رابعاً : وقد يكون الرجل ثقيل النوم ، فهذا على حالين : الحال الأولى : أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل : فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق ، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات ، كما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات ، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً ؛ لأنه يستطيع تغيير العمل ، ويستطيع ترك السهر . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش ، وفي أمن وأمان من الخوف ، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها ، سواء صلاة الفجر أم غيرها ، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون ، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها ، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى . " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / السؤال رقم 14 ) . وأما الحال الثانية : أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل ، وليس له تعلق بسهر أو عمل ، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص ، فإن كان كذلك : فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت : يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ، قال : وصفوان عنده ، قال : فسأله عما قالت ، فقال : يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال : ( فإذا استيقظت فصلِّ ) . رواه أبو داود ( 2459 ) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 7 / 65 ) . والخلاصة : أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر ، والسهر كان بسبب العمل وعليه : فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا ؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه . وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك ، أما الدين : فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات ، وتركه من أعظم المحرمات ، وأما جسمك : فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل ، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل ، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً . والله أعلم .
كن أول من يقيم الموضوع
12345